الثلاثاء، 6 مايو 2008

نظرة في العقليات الاصولية


تُعدّ عملية فهم نشأة الحركات الأصولية وبنيتها الأيديولوجية، وبنية عقليتها وطريقة اشتغالها الوظيفية، هي العملية الأولى والأهمّ قبل الدخول في أي عملية حوارية، وقد شهدت العديد من مواقف حوارية متنوعة بين أصوليين وغيرهم، وفي أغلب المرّات كانت العملية أشبه ما تكون بحوار الطر شان.

والسبب الرئيس يعود إلى اختلاف المفاهيم والمنطلقات من جهة، و البنى الأيديولوجية التأسيسية من جهة أخرى، فعملية الخوض في الفروع أو السلوكيات المبنية على المعتقد والأيديولوجية غير مجدية بمفردها، لذلك من المهم التركيز على نقاط أهمها :

• أنّ الحوار ينبغي أن يبدأ بتحليل المنظومة الفكرية التي يؤمنون بها وطرح النقاش في كل عنصر من عناصرها؛فنحن الآن نُواجه مشاكل متعلّقة بالتأصيل ازدادت تعقيداً مع انتشار حركات الإسلام السياسي، الدّاعية إلي إعادة تطبيق الشريعة الإسلامية كما وردت وقُيّدت من قبل بعض الأصوليين بفرض رأيهم عن طريق استلام السلطة السياسية، ثم تكييف التعليم مع ما يقتضيه التأصيل الموروث.

• عملية الحوار هذه، يجب أن يقودها أناس متخصصون، لا يتقنون فن الحوار وحسب، بل يفهمون النصوص المُؤسسة للأصول والعقائد، أي يمتلكون الوسائل التحليلية والاستنباطية للربط بين الأحكام الشرعية والأصول التي تتفرع عنها، والنظر في الأمور المستجدّة خصوصاّ بعد القطيعة التاريخية و غلق باب الاجتهاد،

• الحوار ينبغي أن يطال كافة المواقف المتطرفة بما فيها الحداثية ، لأننا نجد أن الرفض التّام من قبل بعض التيارات الحداثية لمجرد الحوار مع الآخر والحكم عليه بالتحجر و التأخر، مما يؤدي بالمتطرف "الاسلامي" عادة إلى الدفاع عن هذا الموقف كسلاح يأصل لكفاحه ونضاله السياسي، وكلا الموقفين الحداثوي المتطرف والاصولوي المتطرف يجب أن يُحلل ويُفكك، ويجب على النخب الفكرية أينما كانت أن تنزع الغطاء عن الخطابات والكليشيهات التي تمثل في المجتمع بشكل يومي، و أن تضع على المحك النقدي ما يستهلكه المناضلون السياسيون،

• إن عملية مقاومة الحركات الأصولية، وقمعها بالقوة وعبر أجهزة الأمن وغيرها، عملية غير مقبولة على المستوى الإنساني من جهة كما أنها ستؤدي إلى مفعول عكسي وعنف مضاد، وقد أثبتت التجربة ذلك في وقت من الأوقات، لأنها ستزيد من قاعدتها الشعبية وستعزز ثقافة العنف، وستمتد على حساب من يمثلون الإسلام المعتدل، الذين سيضطرون للرضوخ للتطرف مسايرة للضغوط الشعبية .

• إن عدم اتخاذ موقف واضح وصريح من قبل العديد من الحكومات العربية والإسلامية حيال إسرائيل، يدفع بالقاعدة الشعبية إلى الالتفاف حول الجماعات الأصولية التي تتبنى مسألة الجهاد ضد إسرائيل وضد المحتل في العراق... مع التنبيه إلى أمر معروف عند الجميع، أنّ فكرة قيام دولة إسرائيل هي فكرة حركة أصولية دينية استخدمت الدين والمطامع الدينية لليهود في العالم لإقامة كيان سياسي في فلسطين... إن تنامي الحركات الأصولية الإسلامية المتطرّفة أحد أهمّ أ سبابه التحدي لإسرائيل الأصولية... فنحن أمام أصولية إسلامية تواجه أصولية يهودية، لذلك لا يمكن حل الإشكال مع الأصوليين المسلمين وفتح باب الحوار معهم والوضع حيال إسرائيل كما هو معروف، هذا الأمر يجب أن تعيه الحكومات العربية والإسلامية من جهة والإدارة الأمريكية من جهة أخرى، المشكلة مع العالم الإسلامي لا تحلّ لا بشن حرب على الإرهاب ولا بانحياز أو تقديم تنازلات لإسرائيل،

... يجب تأسيس معاهد حديثة لتدريس الدين الإسلامي بطريقة جادّة ومسؤولة في كافة أنحاء العالم، وفتح كليات متخصصة في أكبر جامعات العالم تهتم بتعليم التاريخ المقارن للاهوت الأديان الثلاث على الأقل، لا أن تُرمى الدراسات الإسلامية في أقسام الكليات الاستشراقية، حيث تُدَرّس اللغات والآداب، ويجب أن تتناول دراسات في العمق ويتحمّل الباحثون مسئوليتها فكريًّا ويعيدون من خلالها فتح باب الاجتهاد، فنحن يجب أن نجدد في الآلية والمنظومة الفكرية لها فالتجديد على المستوى الإيماني متوقف منذ زمن وباب الاجتهاد أُغلق ، الأمر الذي سبب قطيعة تاريخية، فوجود مثل هذه المعاهد سيساعد الأفراد على الخروج من حالة الفقر الثقافي والفكري، كما تُعتبر المكان الأمثل الذي يؤمّن البيئة الخصبة للحوارات المثمرة بين الأديان.

ولحل الإشكاليات المتعلقة بالمسلكيات التي هي إخراج للسيناريو الفكري الذي يُتقن تمثيله الأفراد القادة و رجال الدين والمناضلون.... لا بدّ لنا من تحليل الخطاب الأيديولوجي و"اللاهوتي" ونقده، فنحن بحاجة إلى "تجديد لاهوتي"، وهذا التجديد يعني نقد "اللاهوت الموروث"، وعملية النقد هذه يجب أن تطال كلّ الأديان ورسالة المثقفين أيّا كانوا و في أي وسط يعيشون في هذا العصر.

وللخروج من دوامة العنف بكلّ أشكاله بما فيها العنف الصريح والعنف المضاد والعنف المُقنّع، والإرهاب بكلّ أنواعه – ولا أقصده بمفهوم بوش فقط – لان العالم بأسره لا سيما العربي و الإسلامي تعرّض لإرهاب مقنّع بعد إعلان الحرب على "الإرهاب" .

وإزالة الاشكالات و الأشكال القمعية الداخلية والخارجية الصريحة منها والمقنّعة فالمثقف العربي الحالي يعاني من مشكلة قد تكون غير مُعلنة، لكنّها موجودة مع السلطات السياسية التي تحاول الضغط على المفكرين لكي يصبحوا الأداة التأصيلية التي تضفي الشرعية على النظام والأمر قد يتطور ليصل المثقف إلى السجن ، وهذا على سبيل المثال، أما على الصعيد الشعبي فالأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى.

والمثقف العربي بشكل خاص وأي مثقف آخر يعاني من مشكلة مع رجال الدين واللاهوتيين و العلماء .... الذين يتتبعون الحركات الفكرية والآراء ليسرعوا إلي إطلاق أحكام قيَمية تبدأ "بالتفسيق " و تصل إلي " التكفير" وتنتهي أحيانا ب "إهدار الدم" .

لا بدّ من السعي الجاد والمتواصل إلي فتح آفاق العقل و اجتهاداته الناقدة و"التجديد " في الأمور التي يُدّعى عادةً أن لا تجديد فيها، لكي لا يستعبد الإنسان لعنف الإنسان، فعملية الحوار هامة جدا وهي الأداة الفاعلة التي يجب أن تطال كل التيارات الفكرية, ولا تقتصر على الأديان .

*قانوني وكاتب صحفي من موريتانيا


ليست هناك تعليقات: