الثلاثاء، 13 مايو 2008

مقتطفات من مذكرات الشهيد صدام 7


«ربّي مكِنّي من أن أتزوج لأنجب من جديد عدي وقصي ... ومصطفى»


--> عرضت الحلقة الأولى من مذكرات الرئيس العراقي السابق صدام حسين والتي حصلت «الحياة» على جزء منها ظروف اعتقاله وطريقة التعامل مع الحراس من الجنود الأميركيين، والنصائح التي كان يسديها إليهم، إضافة إلى بعض أشعاره منها المؤرخ ومنها غير المؤرخ.

وفي حلقة اليوم، مقتطفات أخرى تنصب على الشأن السياسي إذ يفسر صدام الفارق بين عملية الأنفال التي حوكم عليها وما يسميه «عمليات تحرير الفاو، رمضان المبارك». ويلقي صدام مسؤولية عمليات الأنفال على القائد العسكري الذي لم يذكر اسمه باعتبارها «استثماراً للفوز، وهي صحيحة من الناحية العسكرية».

وخلال المحاكمة لاحظ صدام تجهم القاضي وانزعاجه لعدم وقوفه فتوجه إليه «بوجه خاص» و «إلى الطيبين من الناس» برسالة يشرح سبب رفضه الوقوف لقاض يعتبره «غير شرعي ولا دستوري»، إنما يدعوه في الوقت نفسه «القاضي المحترم».

وحاول صدام شرح أسباب الغزو الأميركي في العام 2003، فبدا من الأوراق التي وضعها أنها مجموعة نقاط توحي كأنه أراد الخوض فيها لاحقاً ودونها لئلا ينساها، فيما بدت دعوته إلى الجهاد الأكبر أكثر وضوحاً. كذلك تضمنت رسالته إلى «الشعب الكريم» نداء لأن «يسلخوا عن أنفسهم الكره ويرموه في بحر الكره».

ويتحدث صدام عن أطبائه الأميركيين متعاطفاً معهم فيقول إن كثيرين منهم يتم استدعاؤه للخدمة المدنية وليسوا من نظام الجيش.

وتمنى صدام أن يحفـــظ الله له قلبه وصحته ليرى العراق قوياً منتصــــراً، وليمـــكنه من الزواج ثانية والإنجاب

مقتطفات من مذكرات الشهيد صدام 6

هاجس الأمراض الجنسية

عندما وجدني الشخص المسؤول عني كما قال وهو جورج، وأنا أغسل ملابسي فقد لاحظ إن وقت «الاكسرسايز» أي الساعة الزمنية قد انتهى في الوقت الذي أنشر الملابس على الحبل الذي طلبت أن ينصبوه هناك خصيصاً لي ورغم إن بعض الجنود وآخرين حاول أن يشاركني في نشر ملابسه على ذات الحبل ولكنني نبهتهم وقلت لهم بهدوء ولكن بحزم لن أقبل أن ينشر أحد ملابسه على هذا الحبل، وشرحت لهم لماذا. قلت إنهم شباب وحياة الشباب غير حياة الناس مثل سني، وقد يصابون بأمراض شـــباب، مما لا يجوز أن نقحم «الشيّاب» فيها تفهموا موقفي، ورغم تكرار محاولة أخرى من صاحبها بعد كلامي ذاك معهم فقد كررت موقفي بنفس الاتجاه وبحزم أيضاً مما جعلهم لا يكررون المحاولة، لقد كان أهم ما في هاجسي أن لا يصيبني مرض جنسي في مثل هكذا مكان ومرض ضعف المناعة «الإيدز» وهو مرورهم بخليط من الناس من مختلف جنسيات ما سمي بقوات التحالف ومنهم بل في مقدمة من يخشى العدوى منهم الأمريكان، وهل يمكن أن ينقل الأمريكان وكل الغزاة والمختلين الى بلد غير الأمراض الخطيرة؟

مقتطفات من مذكرات الشهيد صدام 5

انكليزية مكسرة ولغة اليدين

قلت ذلك باللغة الانجليزية الركيكة مما استذكرته عن الصف قبل الأخير بالاعدادية في بغداد قبل أن أكلف مع رفاقي آنذاك بواجب إطلاق النار على عبد الكريم قاسم لثورة لم تستكمل على وفق قصتها المعروفة عام 1959 وحيث أكملت دراستي بعد أن تحوّلت من العلمي الى الأدبي في القاهرة لم يتح أمامي نفس المنهج العراق يفي اللغة الانجليزية ولذلك أستطيع أن أقول إن معلوماتي عنها لا يتعدى حدود ما يعرفه الطالب العراقي آنذاك في الصف قبل الأخير من المرحلة الدراسية الإعدادية مع ما كنت أسمعه أو ألتقطه من خلال الترجمة منها الى العربية لمن يتحدثون بها أثناء مقابلاتي الرسمية، ولكن من غير ممارسة كلام فيها بأي شكل. على اية حال فإنني عندما أتحدث مع الحرس أمريكيين وغير أمريكيين فإنني أتحدث فيها وأستعين بحركة اليدين والتشبيهات التي تقرب الصورة عندما لا أهتدي وأستذكر الكلمة الصحيحة أو الجملة المناسبة... لا يحب العراقيون إلاّ الأشياء الصحيحة، ولذلك يطلقون على اللغة أو اللهجة التي يتكلم بها من يضطر أو يعجبه الكلام بغير لغته أو لهجته، وهو لا يتقن الحديث بها، يطلقون عليها وصف «المكَسَّرْ» أو المكسّرة فيقولون تكلم فلان باللغة الفرنسية المكسّرة أو تكلم باللغة الانجليزية بالطريقة الأمريكية المكسّرة أو مقلداً أهل تكساس ولكن بلهجة مكسّرة... وكم حاولت أن أُحسّن من أدائي فيها في حدود المجاملة البسيطة وقد لاحظت إنني قد حسنت نسبياً أدائي في حدود المجاملة محدودة المفردات ولكنَّ لغتي فيها لم تتخلص من وصف اللغة المكسّرة، لو سمعها العراقيون، ولكن ومثلما يعرفون فإنني أظن أعجبهم عندما أتكلم مع الأمريكان والانجليز وغيرهم بلغة أمتنا... الجميلة وعميقة الدلالة عندما تتقن وتقوّى منفحة مفردات القرآن الكريم...

مقتطفات من مذكرات الشهيد صدام 4


رياضة مع الحرس وضحك ومزاح

--> في 16/3/2004 وجدت أحد أفراد الحرس بعد أن خلع قسم من ملابسه، الثقيلة، ومنها واقية الحماية من الرصاص، بدأ بتمارين الاستناد الى الذراعين بالأرض على أن يشكل الجسم كله مستنداً الى الذراعين خطاً مستقيماً موازياً للأرض ومرتفعاً عنها بما لا يزيد عن ارتفاع الذراعين وتبدأ الحركة صعوداً وهبوطاً بما يسمى في العراق «شناو» وقد لا تكون الكلمة عربية. فاستمر الحارس بهذا التمرين لفترة طويلة، رغم ان شيب شعر رأسه ينبئ بأنه قد تجاوز الخمسين قليلاً وهذا ما أكده لي حيث قال عندما سألته إن عمره 51 واحد وخمسون عاماً، وقد باشرت من ناحيتي مجرباً إمكانية أن أقوم بهذا التمرين، وقلت له أنا سأجرّب فقط لأن عمري لا يسمح بمثل هكذا تمارين فعملت أربع حركات فيه.

ونصحت صاحبي أن لا يجهد نفسه لأن بناء عضلات الصدر والذراعين والظهر ممكنة في مدة أسبوعين مثلاً لمن لديه أساس في هذا ربما منذ الطفولة أو الشباب ولمن يعمل مع أهله في الزراعة او اذا كان أبوه حداداً أو ذا صنعة تحتاج الى الحركة والعضلات، أما لو ذهبت العافية بسبب إجهاد غير محسوب وبخاصة مع عمر يتجاوز الخمسين، فقد لا تعود أبداً وكررت عليه النصيحة، وافترقنا بعد ذلك.

في 17/3/2004 خرجت الى الساحة فوجدت نفس الحارس الذي رأيته يؤدي الحركات الرياضية على طريقة «الشناو» في اليوم السابق وجدته واقفاً في نفس المكان ولكنه لم يكن يؤدي أي حركة رياضية وإنما يقوم بواجب حراسة فحسب. فبدأت أقوم بنفس الحركة (الشناو) وهو يشجعني فعملت هذه المرة خمس حركات بدلاً من أربع وهو يشجعني «جيد... جيد...» قالها باللغة الانجليزية.

ثم بعد أن أكملت الخمس حركات باشرت لأعمل تمرين آخر لتقوية عضلات الساقين والفخذين وربما بعدهما عضلات البطن والظهر، وهو الارتفاع العمودي من حالة الجلوس مستنداً الى الساقين من غير أن يلامس جسمي الأرض عدا رجليّ ثم النهوض والهبوط الى نفس الوضعية من غير توقف وقد شاركني (الحارس) في هذا التمرين وقد عملته خمس مرات أيضاً وسط تشجيعه وتشجيع الحارسين الآخرين واحد منهما في البرج الذي يطل على الساحة.

ثم استــــدرت لأوقف صاحبي الذي اســـتمر بالتمارين وكأنه وجدها فرصة ليــقوم بذلك، وعدت لأكرر عليه أن لا يرهــــق نفسه بالتمارين الرياضية بما قد يؤذي صحته... فوعدني بذلك.

ثم عدت لأن أمزح معه فقلت له عشرون حركة بالنسبة لك جيد، وبعد عشر سنوات ربما بين 5 الى 10 عشرة... أما لو قررت أن تتزوج بثانية فقد لا يتجاوز ما تؤدي من حركة كهذه بين الثلاث والأربع حركات فقط. وضحكنا حول تلك المزحة جميعاً بحبور على قياس الحال.

مقتطفات من مذكرات الشهيد صدام 3

وتنشر هذه الفصول على حلقتين ابتداء من اليوم، تتناول الحلقة الأولى الجوانب الشخصية والذاتية لصدام حيث وصف ظروف اعتقاله، وعلاقته بالحراس وحدود مساحة الباحة الخارجية والتمارين الرياضية التي كان يقوم بها إضافة إلى لغته الانكليزية وخوفه من انتقال عدوى الأمراض إليه.

وتـركز حـلقة غـد على المواضيـع العامة والسياسية من عمليـة الأنفال إلى ظروف الغزو وطريقة محاكمته.

أطلّ عليّ أحد الحرس من الفتحة الأعلى في باب الغرفة ليقول وقت التمارين «سير». قال ذلك باللغة الانجليزية رغم إنه ليس أمريكياً، وإنما من دويلات أمريكا الجنوبية القريبة من أمريكا وكوبا... وضعت القرآن على سرير النوم بعد أن قطعت القراءة بالقول صدق الله العظيم... وخرجت الى حيث المكان المقرر وهو عبارة عن فضاء لصيق بالبناء الذي فيه غرفتي وبمساحة تقرب من أن تكون 20 عشرين مx20م ويتوسط المكان لما يشير انها كانت حديقة أو ربما مسبح لتعليم السباحة للجنود على وفق ما صدرت الأوامر الى الجيش العراقي في حينه وألزمته مع التخفيضات المالية بوجوب تعلّم السباحة لكل عسكري أو هو حفرة نظامية يحيط بها من ضلعين من أضلاعها فقط ممر متصل بعرض 50/1م وبطول الضلعين وهذا هو فقط الذي أمشي فيه ومن ضمن ذلك وقت الذهاب الى الحمام ووقت غسل الملابس وعبثاً حاولنا زيادة الزمن حتى هذا التأريخ 15/3/2004.

ومع انني حاولت مع عدد من الحرّاس أن يأتيني من اقرب مكان اليهم بأي وردة أو زهرة واحدة ليس أكثر. نعم شدّدت في قولي واحدة وليس أكثر لكي أسهل عليهم الاستجابة لكنني ما كنت مطمئناً أو متفائلاً الى أن أي واحد منهم سيأتي بما طلبت.

ومع انني لم أطلب شيئاً من أحد ليس حقي طيلة حياتي بما في ذلك مرحلة الطفولة ومرحلة الشباب قبل السياسة والنضال، فإنني طلبتها هذه المرة، ومن هذا قد أضيف لي درس في الحياة كنت أعرفه بوجه عام، عن معنى الاضطرار، وبخاصة المحب أو المحاصر، أو السجين أو المهدد في حياته. كان الشعور الأساسي الذي دفعني لأن أطلب من الحرس ذلك هو شعور المحبة والتعبير عنها بوسائل وأساليب ملموسة حتى في الظرف الصعب الذي أنا فيه، وأعتقد بأنها تضحية جدية مني أن أطلب ذلك وأن أفعلها أول مرة في حياتي على حد ما تسعفني في هذا ذاكرتي، أقول بدأت أفكر في بدائل فوجدت في الفضاء المدفون بالتراب والحصى والصغار نيته عندما تبينتها جيداً وجدتها إنها مشروع نخلة فقست صدفة عن نواتها في موسمها الربيعي، وقد دلني عليها إن أحدهم قد أزاح من حولها الحصا الصغير ليظهرها، ولا بد أن يكون هذا عراقي، ولأن ليس من بين الحرس وكل الذين أتعامل معهم يومياً من هو عراقي وإنما مما سمّوا بقوات التحالف، عدا غرفة واحدة قريبة من غرفتي يحرص الحرس، عندما أذهب الى الحمام لقضاء حاجة وإن الحمام القديم عند مدخل غرفتهم والحمام «الجديد» البديل نمر قرب غرفتهم اليه... فقد حرص الحرس أن ينبههم قبل أن أخرج

مقتطفات من مذكرات الشهيد صدام 2

وفي مكان آخر يكتب صدام انه كان يحرص على أن يغسل ثيابه بنفسه وينشرها على حبل خارجي إلى جانب ثياب حراسه أحياناً، إلا أن المصدر العسكري نفى تلك المعلومات مؤكداً أن ثيابه كانت تغسل مع ثياب بقية المعتقلين، ولم يوضع أي حبل في متناول صدام وهو إجراء وقائي يطبق على الجميع.

وفي نسخ المذكرات التي اطلعت عليها «الحياة» والمكتوبة بخط يده، بدت لصدام وجوه مختلفة مع كل صفحة. فهو تارة رجل عاطفي يكفيه أن يتذكر كلمات أغنية يحبها ليتملكه الحنين وبعض الكآبة. وهو يحب المرأة فيكتب لها الأشعار ويحتار متى يلتقي عقلها وقلبها. وتارة أخرى هو رجل متدين يصلي ويستغفر الله ويدعو الشعب العداقي إلى الجهاد ومقاومة الغزاة. وفي غالبية الأوقات بدا قائداً عسكرياً يصدر الأوامر ويعطي التوجيهات ويوقع رسائله باسم «صدام حسين/ رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة».

وبدت الامزجة المختلفة التي مر بها صدام خلال تلك الفترة، من الخطوط المختلفة التي كتب بها. ففي بعض الصفحات كان خطه واضحاً مقروءاً، حروفه بارزة وكبيرة، وسطوره متباعدة مريحة لعيني القارئ، فيما كتبت صفحات أخرى بخط منمنم صغير، سطوره متداخلة في بعضها البعض ومتراصة ككتلة واحدة. وعمد صدام أحياناً إلى تعديل بعض التفاصيل وإضافة بعضها الآخر ربما لأنه تذكرها لاحقاً، فكان يكثر من الإشارات والهوامش والكلمات المحشورة حشراً بين السطور والفقرات ويشير إليها بسهم صغير. كذلك يدل صدام قارئه أين يتابع القراءة في حال انتهت الصفحة ولم ينته الموضوع الذي يتناوله. وإذا ما تردد صدام بين بيتين أو أكثر من الشعر، أعطى نفسه والقارئ الخيار فكتب البيتين وبينهما (أو).

كذلك يمكن ملاحظة جمل غير مكتملة أو تنتهي بثلاث نقط فقط، إلى جانب صفحات كاملة شطب ما كتب عليها لكن تم الاحتفاظ بها. والقاسم المشترك بين كل تلك الأوراق حرفا (ص ح) المكتوبان كختم أعلى الصفحة لجهة الوسط.

وتحرص «الحياة» في نشرها بعض فصول هذه المذكرات على الإبقاء عليها كما هي، فلم تدخل عليها تحريراً أو تصحيحاً إلا بعض على العنوانين الفرعية لتسهيل قراءتها. لذا قد ترد نادراً بعض الأخطاء اللغوية أو التعابير العراقية المحلية. إلى ذلك تحترم الصحيفة اتفاقاً مسبقاً يقضي بعدم تصوير المستندات.

مقتطفات من مذكرات الشهيد صدام 1

ننشر علي حلقات مقتطفات من مذكرات الشهيد صدام حسين رحمه الله
قضى الرئيس العراقي السابق صدام حسين فترة سجنه متنقلاً بين زنزانته الصغيرة، حيث كان يصلي ويقرأ الكتاب الوحيد في متناوله، القرآن الكريم، والباحة الخارجية حيث كتب ما يزيد عن خمسة مجلدات ضخمة، من مذكراته حصلت «الحياة» على جزء منها.

وكان صدام بعدما نقل من معتقل «كروبر» حيث وضع فور إلقاء القبض عليه الى هذه الزنزانة عومل كأي معتقل آخر. فأعطي لباساً أصفر وسجادة صلاة وقرآناً كما خضع لفحوصات طبية كاملة.

في الباحة وضعت له طاولة وكرسي من البلاستيك، كان يجلس طويلاً يخط الرسائل والأشعار ويروي أحداثاً شخصية ويوضح أخرى، بعضها مما مر به في السجن وبعضها مما تسعفه به الذاكرة عن ما قبل تلك الفترة.

أزعجه أن للكرسي مسندين صغيرين ينزلق عنهما مرفقاه كلما أراد الاتكاء عليهما، فطلب لفهما بالاسفنج السميك ليشبها قدر الإمكان ما اعتاده من كنبات وثيرة وأثاث مريح. -->

وبحسب مصدر عسكري أميركي مطلع، لم تصدر من صدام يوماً شكوى لجهة ظروف اعتقاله أو نوعية الطعام الذي كان يصله أو المعاملة التي تعرض لها. كانت له بعض المطالب الصغيرة أحياناً كالسماح له بتدخين السيجار الكوبي أو تزويده بلباس رسمي وبرقائق الدوريتوس، وهي مطالب تمت تلبيتها. وكان طعامه يعد في مطبخ معتقل «كروبر» وهو مكون من الوجبات الحلال، قليلة الملح والدسم نظراً إلى أنه كان يشكو من ارتفاع ضغط الدم.

ويظهر بعض التعارض أحياناً بين ما يكتبه صدام في مذكراته، وما كشف عنه المصدر العسكري من معلومات. ففي حين وضع في الباحة الخارجية حوضان خشبيان ليزرع فيهما صدام زهوراً وشتولاً نزولاً عند رغبته، «لم تنبت أبداً» بحسب المصدر نفسه، أبقى هو الوضع ملتبساً في مذكراته إذ قال أنه طلب «زهرة أو وردة ليس أكثر» من دون أن يلقى طلبه أذناً صاغية. وكتب: «شددت في قولي واحدة وليس أكثر لكي اسهل عليهم الاستجابة لكنني ما كنت متفائلاً أو مطمئناً إلى أن واحداً منهم سيأتي بما طلبت».

الثلاثاء، 6 مايو 2008

نظرة في العقليات الاصولية


تُعدّ عملية فهم نشأة الحركات الأصولية وبنيتها الأيديولوجية، وبنية عقليتها وطريقة اشتغالها الوظيفية، هي العملية الأولى والأهمّ قبل الدخول في أي عملية حوارية، وقد شهدت العديد من مواقف حوارية متنوعة بين أصوليين وغيرهم، وفي أغلب المرّات كانت العملية أشبه ما تكون بحوار الطر شان.

والسبب الرئيس يعود إلى اختلاف المفاهيم والمنطلقات من جهة، و البنى الأيديولوجية التأسيسية من جهة أخرى، فعملية الخوض في الفروع أو السلوكيات المبنية على المعتقد والأيديولوجية غير مجدية بمفردها، لذلك من المهم التركيز على نقاط أهمها :

• أنّ الحوار ينبغي أن يبدأ بتحليل المنظومة الفكرية التي يؤمنون بها وطرح النقاش في كل عنصر من عناصرها؛فنحن الآن نُواجه مشاكل متعلّقة بالتأصيل ازدادت تعقيداً مع انتشار حركات الإسلام السياسي، الدّاعية إلي إعادة تطبيق الشريعة الإسلامية كما وردت وقُيّدت من قبل بعض الأصوليين بفرض رأيهم عن طريق استلام السلطة السياسية، ثم تكييف التعليم مع ما يقتضيه التأصيل الموروث.

• عملية الحوار هذه، يجب أن يقودها أناس متخصصون، لا يتقنون فن الحوار وحسب، بل يفهمون النصوص المُؤسسة للأصول والعقائد، أي يمتلكون الوسائل التحليلية والاستنباطية للربط بين الأحكام الشرعية والأصول التي تتفرع عنها، والنظر في الأمور المستجدّة خصوصاّ بعد القطيعة التاريخية و غلق باب الاجتهاد،

• الحوار ينبغي أن يطال كافة المواقف المتطرفة بما فيها الحداثية ، لأننا نجد أن الرفض التّام من قبل بعض التيارات الحداثية لمجرد الحوار مع الآخر والحكم عليه بالتحجر و التأخر، مما يؤدي بالمتطرف "الاسلامي" عادة إلى الدفاع عن هذا الموقف كسلاح يأصل لكفاحه ونضاله السياسي، وكلا الموقفين الحداثوي المتطرف والاصولوي المتطرف يجب أن يُحلل ويُفكك، ويجب على النخب الفكرية أينما كانت أن تنزع الغطاء عن الخطابات والكليشيهات التي تمثل في المجتمع بشكل يومي، و أن تضع على المحك النقدي ما يستهلكه المناضلون السياسيون،

• إن عملية مقاومة الحركات الأصولية، وقمعها بالقوة وعبر أجهزة الأمن وغيرها، عملية غير مقبولة على المستوى الإنساني من جهة كما أنها ستؤدي إلى مفعول عكسي وعنف مضاد، وقد أثبتت التجربة ذلك في وقت من الأوقات، لأنها ستزيد من قاعدتها الشعبية وستعزز ثقافة العنف، وستمتد على حساب من يمثلون الإسلام المعتدل، الذين سيضطرون للرضوخ للتطرف مسايرة للضغوط الشعبية .

• إن عدم اتخاذ موقف واضح وصريح من قبل العديد من الحكومات العربية والإسلامية حيال إسرائيل، يدفع بالقاعدة الشعبية إلى الالتفاف حول الجماعات الأصولية التي تتبنى مسألة الجهاد ضد إسرائيل وضد المحتل في العراق... مع التنبيه إلى أمر معروف عند الجميع، أنّ فكرة قيام دولة إسرائيل هي فكرة حركة أصولية دينية استخدمت الدين والمطامع الدينية لليهود في العالم لإقامة كيان سياسي في فلسطين... إن تنامي الحركات الأصولية الإسلامية المتطرّفة أحد أهمّ أ سبابه التحدي لإسرائيل الأصولية... فنحن أمام أصولية إسلامية تواجه أصولية يهودية، لذلك لا يمكن حل الإشكال مع الأصوليين المسلمين وفتح باب الحوار معهم والوضع حيال إسرائيل كما هو معروف، هذا الأمر يجب أن تعيه الحكومات العربية والإسلامية من جهة والإدارة الأمريكية من جهة أخرى، المشكلة مع العالم الإسلامي لا تحلّ لا بشن حرب على الإرهاب ولا بانحياز أو تقديم تنازلات لإسرائيل،

... يجب تأسيس معاهد حديثة لتدريس الدين الإسلامي بطريقة جادّة ومسؤولة في كافة أنحاء العالم، وفتح كليات متخصصة في أكبر جامعات العالم تهتم بتعليم التاريخ المقارن للاهوت الأديان الثلاث على الأقل، لا أن تُرمى الدراسات الإسلامية في أقسام الكليات الاستشراقية، حيث تُدَرّس اللغات والآداب، ويجب أن تتناول دراسات في العمق ويتحمّل الباحثون مسئوليتها فكريًّا ويعيدون من خلالها فتح باب الاجتهاد، فنحن يجب أن نجدد في الآلية والمنظومة الفكرية لها فالتجديد على المستوى الإيماني متوقف منذ زمن وباب الاجتهاد أُغلق ، الأمر الذي سبب قطيعة تاريخية، فوجود مثل هذه المعاهد سيساعد الأفراد على الخروج من حالة الفقر الثقافي والفكري، كما تُعتبر المكان الأمثل الذي يؤمّن البيئة الخصبة للحوارات المثمرة بين الأديان.

ولحل الإشكاليات المتعلقة بالمسلكيات التي هي إخراج للسيناريو الفكري الذي يُتقن تمثيله الأفراد القادة و رجال الدين والمناضلون.... لا بدّ لنا من تحليل الخطاب الأيديولوجي و"اللاهوتي" ونقده، فنحن بحاجة إلى "تجديد لاهوتي"، وهذا التجديد يعني نقد "اللاهوت الموروث"، وعملية النقد هذه يجب أن تطال كلّ الأديان ورسالة المثقفين أيّا كانوا و في أي وسط يعيشون في هذا العصر.

وللخروج من دوامة العنف بكلّ أشكاله بما فيها العنف الصريح والعنف المضاد والعنف المُقنّع، والإرهاب بكلّ أنواعه – ولا أقصده بمفهوم بوش فقط – لان العالم بأسره لا سيما العربي و الإسلامي تعرّض لإرهاب مقنّع بعد إعلان الحرب على "الإرهاب" .

وإزالة الاشكالات و الأشكال القمعية الداخلية والخارجية الصريحة منها والمقنّعة فالمثقف العربي الحالي يعاني من مشكلة قد تكون غير مُعلنة، لكنّها موجودة مع السلطات السياسية التي تحاول الضغط على المفكرين لكي يصبحوا الأداة التأصيلية التي تضفي الشرعية على النظام والأمر قد يتطور ليصل المثقف إلى السجن ، وهذا على سبيل المثال، أما على الصعيد الشعبي فالأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى.

والمثقف العربي بشكل خاص وأي مثقف آخر يعاني من مشكلة مع رجال الدين واللاهوتيين و العلماء .... الذين يتتبعون الحركات الفكرية والآراء ليسرعوا إلي إطلاق أحكام قيَمية تبدأ "بالتفسيق " و تصل إلي " التكفير" وتنتهي أحيانا ب "إهدار الدم" .

لا بدّ من السعي الجاد والمتواصل إلي فتح آفاق العقل و اجتهاداته الناقدة و"التجديد " في الأمور التي يُدّعى عادةً أن لا تجديد فيها، لكي لا يستعبد الإنسان لعنف الإنسان، فعملية الحوار هامة جدا وهي الأداة الفاعلة التي يجب أن تطال كل التيارات الفكرية, ولا تقتصر على الأديان .

*قانوني وكاتب صحفي من موريتانيا


الأربعاء، 2 أبريل 2008

من اعلام الشناقطة

افتراضي ترجمة نادرة للشيخ محمد ولد سالم عدود الشنقيطي . يرويها تلميذه الشيخ عادل رفوش.

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله ,وعلى اله وصحبه ومن والاه وبعد
فقد يسر الله لي الاستماع لشرح الشيخ عادل رفوش على نظم التسهيل والتكميل للعلامة الشيخ محمد ولد سالم عدود حفظه الله وفي نهاية الشرح ذكر حفظه الله أنه من عادة العلماء في نهاية ختم الكتب أنهم يقرؤون اسنادا أو يذكرون فائدة أو شيئا من هذا القبيل تسمى عندهم "الختمات" وجريا على سنة العلماء فإنه ارتجل ترجمة لصاحب النظم
فتعالوا معي واستمعوا لهذه الترجمة النادرة
هو محمد سالم ابن عبد الودود الهاشمي اليعقوبي وقد تقدم ذكر نسبه في مستهل هذا النظم المبارك
وهذا الرجل قد عرفناه مدة من الزمن لم ننهل منها بالقدر الكافي ونعوذ بالله أن ندعي بأننا قد بلغنا عنده شيئا فإنما نعرف اسمه ونسبه وشخصه فأما علمه فشتان مابيننا وبين هذا الرجل فهذا الرجل من أفراد هذا العالم,ومن افراد علماء هذا العصر, وعدم العلم بالناس ليس تقليلا لاٌقدارهم ولا يلزم منه غمط حقوقهم وهو- ونقولها بملء الفم ويعرف هذا من يعرف- هذا الرجل من أكابر هذه الأمة ومن اشياخ العلم في مشارق الاٍرض ومغاربها ممن حصلت لهم رؤية هذا الرجل ومعاشرته يعرفون أنه من أفراد العلماء في هذا العصر وأنه ممن بلغ رتبة الإجتهاد وأنه أحاط بالعلوم إحاطة قل أن تجد له نظيرا فيها يعرف من العلوم الشيء الكثير ,ولاأقول علوم الشرع وعلوم العربية فله قصب السبق في هذا الباب وله القدح المعلى في هذا النصاب وإنما الشأن في العلوم الأخرى قل الحديث عنها وكثر الجاهلون بها وصار العلم بها من أغرب الغرائب وأعجب العجائب , فهو يلم بكثير من اللغات ولو على وجه الطرفة ويعرف اشياء من علم النجوم وعلوم الأفلاك وعلوم الرمل وأشياء من الحساب وأشياء من عادات الناس وطبعاتهم ولهجاتهم مما تكل به جهود كثير من المدعين في مثل أعصارنا
الشيخ أظن على ماأخبرني أنه من مواليد 1930ميلادية أي أنه الان في حوالي الثانية والسبعين من عمره وقد نشأ في بيت علم وفضل وحفظ القران ولم يبلغ التسع سنين حفظه وهو صغير جدا وحفظه على أمه وخالته وكان يحفظ أجزاءا منه على جدته ولم يقرأه على أبيه وإنما كان يقرأ على ابيه العلوم الصرفة المحضة ونبغ فيها وهو صغير, فقد حدثني حفظه الله أنه لم يزدد بعد السابعة عشر من عمره شيئا من اصول العلوم وإنما هي ثقافات واطلاعات يطلع فيها بين الفينة والأخرى أما العلوم وأصولها وأصول الكتب ومعارفه فيها فقد حازها قبل هذا السن المبكر أي بعيد بلوغه بقليل وقد ادرك فيه أبوه هذا النبوغ وهو صغير جدا فقد كان يحسن التكلم بالعربية ويحسن قرض الشعر وقد حدثني مرة أنه كان ذاهبا مع أحد العلماء من أصحاب أبيه ذاهبا ليستقي لأهل بلدته وعادتهم هناك أنهم يستقون على الأتن من الابار مع الخدم وكان وقتها عمره خمس سنين أو ست سنين الشك منه هكذا قال لي :" لاأدري هل كان عمري خمس سنين أو ست سنين" فذهب معهم ليستسقوا وأخذوا الروايا وهي جمع روية وهي التي تملأ بالماء تلك الأسقية الكبيرة التي توضع على ظهور الحمر والأتن فركب على إحدى الاتن وكانت عليها مايسمى بالبردعة موضوعة عليها هذه الروية فركب الشيخ فوقها ورأى خيوطا تنساب من تحتها فأدخل فيها رجله فظن نفسه أنه فوق فرس عتيق لايحابيه فرس ولايبلغه فرس في عظمه وظن نفسه أنه من شجعان العرب, ومن عظماء الخيالة الذين يسوقون الجيوش فانتظم هذا المعنى في قلبه وفي نفسه وهو صغير السن فقال يخاطب ّأتانه وهي أنثى الحمارفقال لها :
" سراتك سرجي والرشاء ركابي **وزندك في التقريب ليس بكابي"
فداك كراع والحرون وداحس ** وعلوى وجلوى وعطا وسكابي"
وهذا من أغرب الأبيات لا يمكن أن يقولها إلا من وهبه الله هبة من عنده وإلا فمثل هذا النظم البديع وهذا المعنى الرائع يتقاصر عنه كبار الشعراء وأفصح البلغاء .
وسبب هذا أنني كنت أقرأ عليه وقتها في الألفية فمر بنا ذكر التعريف وذكر الشيخ أن من الأبيات التي جمع فيها التعريف بأل قول المتنبي:
"الخيل والليل والبيداء تعرفني ** والسيف والرمح والقرطاس والقلم"
قال:" لاأعلم بيتا جمع فيه التعريف بأل بسبع كلمات إلا هذا البيت ولاأعلم بيت ذكر فيه سبعة أعلام إلا بيتا ذكرته وانشدته وأنا ابن ست سنين" فذكر هذه القصة وأنه مدح هذه الأتان وفداها بسبعة من الخيول المشهورة عند العرب فقال:
سراتك سرجي: أي هذا الفراش المهلهل الذي أنا راكب عليه هو بالنسبة إلي كالسرج على الفرس.
والرشاء :اي هذه الحبال المتقطعة من تحت هي ركابي .
الركاب: هو الذي يضع فيه الفارس رجله أي أنه أدخل رجله في تلك الخيوط فتخيلها ركاب الفارس
وزندك :أي مشيك.
في التقريب :أي تقريب الخطا.
ليس بكابي: أي أنك لا تتعثرين بل تمشين مشي الخيل الجياد
فداك :أي أفديك .
"فداك كراع والحرون وداحس وعلوى وجلوى والعطا وسكابي"ّ:
هذه اسماء خيل مشهورة عند العرب و منها داحس التي قامت بسببها حرب طويلة بين العرب حرب داحس والغبراء
هذه سبعة أسماء من أعلام الخيول.

قلت : الشيخ قد نبغ في سن مبكر وقد استمرفي ذلك يعني حرص عليه أبوه لما رجع هذا الرجل وأخبر أباه بأن ابنه قد أنشد ماأنشد, علم أن لابنه هذا شأنا وأنه قد وهبه الله موهبة قل ماتكون عند غيره فحرص أبوه وكان من أكابر علماء ذلك البلد ومن أهل الإفتاء فيه وكانت مدرسته فيها أزيد من خمسمائة طالب مابين ذكر وأنثى يدرسون عليه يوميا ,كل واحد على حدة ولايتجاوز الدرس الجماعي عندهم في العادة ثلاثة إلا في الأحوال النادرة ,
فوالد الشيخ كان يتمتع بهذه المدرسة الكبيرة المشهورة وكان ابنه وقتها صغيرا فعلم أبوه أن فيه نجابة تحتاج إلى حرص وعناية فكان لايلقي درسا إلا وهو جالس على فخذه سواء عليه أكان عليه نائما أو يقظانا المهم لايمكن أن يبدأ والد الشيخ إلا والشيخ جالس على فخذه سواء عليه أكان نائما أو مستيقظا المهم أن يجلس ولذا قال الشيخ بأنني لم أتعب في حفظ شيء مما أحفظه الان كما يفعل باقي الطلاب وأكثر ماأحفظه كنت حفظته سماعا من دروس والدي وقد من الله عليه بحافظة قوية وقد سمعته مرة وقد سئل عما يحفظ من الكتب فأبى أن يجيب فلما أحرج أجاب ببعض مايحفظ وكان مايحفظه عشرات الكتب وذكر أمثلة منها فذكر في النحو الألفية والاحمرار والفية السيوطي هذا في الألفيات ولم يذكر الاجرومية ولاأنظامها الصغيرة ولا غير ذلك من المتون الصغيرة وذكر في السيرة ألفيات حتى ذكر أنه يحفظ زاد المعاد وكان لايذكر كتابا إلا وذكر مقدمته وخاتمته وشيئا من فوائده التي في وسطه وقد من الله عليه بحافظة قوية كان منشؤها من صلاح والده وحرصه على تعليمه فقد حفظ كل هذه المتون , فلاتجده في علم من العلوم إلا ويحفظ العشرة فأزيد وتجد في هذه العشرة ثلاث ألفيات أوأربع ألفيات لايقل عن هذا العدد وفي علوم غير العربية والشرعية .وكان الشيخ متمتعا بحافظة قوية طيلة حياته حتى وهو كبير السن كان يتمتع بحافظة قوية فلقد حضرنا مجلسا كان الشيخ فيه من المدعويين فقام أحد الطلاب ينشد قصيدة يمدح فيها الحاضرين فلما بلغ منتصفها استوقفه الشيخ فقال له:" أتأذن لي .وقد أنشد شطر البيت. فقال له:" أتأذن لي في إتمام هذا البيت؟" فتعجب الحاضرون كيف سيكمل الشيخ بيتا هو لايعرفه فلما أذن له الطالب

لأنه خشي على نفسه من أن يظن الظانون بأنه قد سرق هذه القصيدة من كتاب أو من أحد الشعراء فلما برأه الشيخ قال أنا أريد أن أكمله فقط لشيء في نفسي فلما أذن له الشاب أكمل الشيخ البيت كما هو في صحيفة ذلك الشاب وكان هذا من دلائل قوة معرفته باللغة العربية ومعرفة نسق الكلام وأنه حين يحصر الكلام وتجمع أطرافه لايمكن أن يخرج على غير أوجهه فهو حصر ذلك في ذهنه الثاقب و في ذكائه الوقاد فقال ماقال وأنشد البيت كما هو عند صاحبه في صحيفته ثم قال له :"أكمل" فلما أكمل القصيدة استوقفه مرة أخرى وقال له :"أتأذن لي في شيء أخر ؟" قال:" وماهو ياشيخ؟ّ" قال:" أريد أن أعيد هذه القصيدة لأني أرى الناس قد أعجبهم نظمها وأحب أن أشنف أسماعهم بإعادتهاّ" فأعادها من حفظه وعدتها في قرابة الأربعين بيتا في مجلس واحد..
وهذه الحكايات عنه مشهورة وعاينا منها الكثير ليس فيها بلاغات ولامرسلات ولاأحاديث وضاعين ولاقصاص ولازال هذا الخير مبثوثا في الامة وليس بعزيز على الله تبارك وتعالى أن يجعل في الامة أمثال هؤلاء فإن بقايا السلف وهؤلاء من سار على طريقهم والتزم طريق العلم فإنا الله عزوجل يمن عليه من فضائله ونعمه بما لا يحتسبه ولا يخطر على بال وقد كنا كثيرا ماننشده أبياتا من أنفسنا نتدرب بين يديه ونتلوا عليه ما ننشئه وننشده لكي يصحح لنا ويصلح لنا ماأخللنا فيه,, فيصحله وننساه وهو من إنشائنا فإذا مرت الأيام والشهور يداعبنا فيقول وهو يشرح شيئا من النحو أومن غيره :"الا تذكرون قول الشاعر كذا وكذا؟" ويستشهد ببيت من أبياتنا أو بقصيدة من قصائد أحد طلابه حفظه الله ورعاه فالشاهد أن الشيخ الكلام عليه فيما يتعلق بعلمه وبحفظه وبورعه وبعلمه الكثير أظن في هذا القدر كفاية وكنت أود أن أنشد لكم بعض أشعاره ولكن يكفي ماذكرنا في صباه وفي هذا القدر كفاية وإنما قلت هذا -يعلم الله- ذكرا لمحاسنه ولأنه من بعض الشكر الذي يتوجب علينا تجاه هذا الشيخ المبارك وإنا والله لنستحي أن ننتسب إليه لأن بيننا وبينه من المفاوز شيء كبير وكبير جدا وإنما ننتسب إليه انتساب احترام وتقدير وإجلال عسى أن يذكره أحد منكم أو كلكم إن شاء الله فتدعون له دعوة صالحة وتسألون الله عزوجل أن يبارك في عمره وأن يمتع به-هنا يبكي الشيخ-وأن يجعله من الصالحين -كلام غير مفهوم-حفظه الله ورعاه فإن العلماء أمنة الناس وهم كالعافية والشمس للناس فهل لهذين من عوض.؟ وأمثال هذا الشيخ كماقال الإمام الذهبي :" لم أكد أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب "
أسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك في الشيخ وأن يحفظه وأن يحفظ إخوانه العلماء في مختلف الارض والبقاع وأن يجعلنا على هديهم سائرين واأن يغفر لنا زللنا وخطأنا ولايؤاخذنا بتجرأنا
هذا والحمد لله رب العالمين. . من إملاء الشيخ عادل بن المحجوب رفوش -حفظه الله-

الجمعة، 28 مارس 2008

قراءةفي كتاب القرآن الكريم والتورات والانجيل والعلم...12


إن مقارنة عديد من روايات التوراة مع روايات نفس الموضوعات فى القرآن تبرز الفروق الاساسية بين دعاوى التوراة غير المقبولة علميا وبين مقولات القرآن التى تتوافق تماما مع المعطيات الحديثة ،ولقد رأينا دليلا على هذا من خلال روايتى الخلق والطوفان ، وعلى حين نجد فى نص القران ، بالنسبه لتاريخ خروج موسى ، معلومة ثمينة تضاف الى رواية التوراة وتجعل مجموع الروايتين يتفق مع معطيات علم الآثار بما يسمح بتحديد عصر موسى ،نجد ،فيما يتعلق بموضوعات أخرى ، فروقا شديدة الأهمية تدحض كل ما قيل ادعاء ودون أدنى دليل عن نقل محمد صلى الله عليه وسلم للتوراة حتى بعد نص القران.‏
وفى نهاية الأمر فإن الدراسة المقارنة من ناحية الدعاوى الخاصة بالعلم ، تلك التى يجدها القارئ فى مجموعات الأحاديث التى نسبت الى محمد صلى الله عليه وسلم والتى يشك فى صحتها غالبا وإن عكست مع ذلك معتقدات العصر وبين المعطيات القرآنية ذات نفس الطابع من ناحية أخرى ، توضح بجلاء اختلافا يسمح باستبعاد فكره شيوع الأصل بين القرآن الكريم والأحاديث .‏

ولا يستطيع الإنسان تصور أن كثيرا من المقولات ذات السمة العلمية كانت من تأليف بشر وهذا بسبب حالة المعارف فى عصر محمد صلى الله عليه وسلم .لذا فمن المشروع تماما أن ينظر الى القرآن على أنه تعبير الوحى من الله وأن تعطى له مكانة خاصة جدا حيث أن صحته أمر لا يمكن الشك فيه وحيث إن احتواءه على المعطيات العلمية المدروسة فى عصرنا تبدو كأنها تتحدى أى تفسير وضعى .‏ عقيمة حقا المحاولات التى تسعى لايجاد تفسير للقرآن بالاعتماد فقط على الاعتبارات المادية.